إخفاق جهود الشركات في حماية العمّال من الإرهاق المنجرّ عن الحرارة في منطقة الخليج
"كان عمله مُجهدًا، وكانت السيارة التي يقودها قديمة وبالية وكان محرّكها يُعاني من ارتفاع في الحرارة طوال الوقت. وقد أخبرهم أن درجة الحرارة في السيارة لا تُطاق، ولكنّهم لم ينصتوا إليه".
كان "كاليدا" واحدا من آلاف العمال المهاجرين في منطقة الخليج الذين كانوا يُعانون من شدّة الحرارة التي جعلت ظروف حياتهم وعملهم لا تُطاق. تتّسم المنطقة بارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير على مدار السنة، حيث تتجاوز أحيانا 50 درجة مئوية في ذروة الحرّ في فصل الصيف، وهنا تظهر حاجة مُلحّة لوضع تدابير وقائية لمعالجة مسألة الإرهاق الذي يُصيب العمال بسبب الحرارة، حيث أن غياب مثل هذه التدابير يُفاقم أيضا عدم كفاية وسائل حماية الصحة والحفاظ على سلامة العمال في أماكن العمل.
عملنا على تتبّع ادّعاءات سوء معاملة العمال المهاجرين في القطاع الخاص في منطقة الخليج منذ سنة 2016. وقد كشفت بياناتنا أن العمّال من أصول جنوب آسيوية وشرق أفريقية الناشطين في قطاعي البناء والأمن متأثّرين بشكل أكثر من غيرهم من ناحية الوفيات والإصابات الناجمة عن الحرارة الشديدة. وفي يونيو 2022، كشف تحقيق أجرته بي بي سي نيوز أنه يُمكن أن تُعزى ثلث حالات الوفاة، التي بلغت 571 في صفوف العمالة النيبالية في قطر على امتداد 8 سنوات، إلى الإجهاد بسبب الحرارة. وعلى الأرجح أن تكون هذه الأرقام مجرّد غيض من فيض. وجد مشروع Vital Signs Project، وهو مشروع يقوم بتحقيقات في وفيات العمالة المهاجرة في منطقة الخليج، أن حالات وفاة العمال المهاجرين الشبان الذين كانوا يتمتّعون بصحة جيّدة تبقى غير مبلّغ عنها كفاية ولا يتم التحقيق فيها بشكل كافٍ. كما توصّل المشروع إلى أن حالات الوفاة هذه تُعتبر غالبا أنها "وفيات طبيعية" حتى وإن كانت الأدلّة تُشير إلى غير ذلك، إضافة إلى أن الاعتماد على تشريح الجثث يظلّ استثناءً وليس القاعدة المُطبّقة.
استقطبت منطقة الخليج اهتمامًا أكبر في السنوات الأخيرة بسبب فوزها غير المسبوق بعروض استضافة بعض الفعاليات الأكثر شهرة في العالم مثل إكسبو 2020 دبي، وسباق الجائزة الكبرى للفورمولا 1 في السعودية والبحرين، وكذلك كأس العالم 2022 المُرتقب في قطر. وإلى جانب الفرص الاقتصادية الهامة، فقد أثار كأس العالم في قطر الرقابة الدولية على ظروف عمل العمالة المهاجرة. ولأوّل مرّة في تاريخ البطولة، سيتم تنظيم المباريات أثناء الأشهر الشتوية للنصف الشمالي للكرة الأرضية سهرًا على راحة الفرق والجماهير. إلّا أن هذا الخيار لم يكن متاحًا للعمال المهاجرين الذين كدحوا طوال باقي العام لجعل كأس العالم حقيقة بحلول شهر نوفمبر. ازدادت المخاوف المتعلّقة بحماية العمال من الحرّ على ضوء ظهور تقارير تُفيد بالارتفاع المُتزايد لدرجات الحرارة بشكل لا يُحتمل بسبب التغيّر المناخي.
ومثّل حظر العمل في وقت الظهيرة أثناء فصل الصيف أحد التدابير الوقائية المُعتمدة بالنسبة للعمّال الذي يُعانون من الإرهاق المرتبط بالحرارة في منطقة الخليج، وكانت الإمارات العربية المُتحدة سبّاقة في إصدار قانون في هذا الصدد في سنة 2005. ينصّ هذا الحظر على ألّا يُجبر العاملون على العمل في الخارج عندما تصل درجة الحرارة وأشعة الشمس إلى ذروتها خلال الأشهر الصيفية. ويبدأ حظر العمل منتصف النهار أو بعده بقليل في أغلب البلدان الخليجية باستثناء قطر والكويت حيث يبدأ الساعة 10 صباحاً و11 صباحًا، على التوالي. نظريّا، تثبت الحكومات مدى امتثال الشركات لقانون حظر العمل من خلال عمليات التفتيش الدورية وتُعرّض كل شركة مخالفة نفسها لغرامات مالية ضخمة بالإضافة إلى إمكانية غلقها. وتعتبر السلطات أن هذا النوع من التدخّلات فعّال بشكل كبير حيث بلغت درجات الامتثال 99% حسب ما أفادت به التقارير. ولكن توصّلت التحقيقات إلى أن أوقات بداية حظر العمل ونهايته لا تنبني على بيانات مناخية موثوقة. وعلى الرغم من إشارة بعض التقارير إلى تميّز قطر من ناحية استخدامها لطرق أكثر صرامة في تحديد أوقات بداية ونهاية العمل، إلّا أن البيانات كشفت أنّ درجات الحرارة في قطر بدأت في الارتفاع إلى مستويات خطيرة ابتدائاً من الساعة التاسعة صباحًا.
من النقائص الأخرى لقانون حظر العمل أنّه لا يشمل العمّال في قطاعات اقتصادية رئيسية في منطقة الخليج وخاصة منها قطاع النفط والغاز وصيانة الطرقات، حيث يُنتظر منهم مواصلة العمل خلال ساعات الحظر. وفضلا عن هذا، وحين ينتهي العمل بساعات الحظر في شهر سبتمبر 2022، فقد كشفت عمليات التفتيش في مواقع العمل عن خرق المئات من أصحاب العمل لقانون حظر العمل المقرّر في الكويت والبحرين وقطر، وهذا ما يُشير إلى أن قوانين الحظر لم تُخفق في حماية العمّال في كافة القطاعات فقط، بل اتّسم تنفيذها من قِبل أصحاب العمل، أو إنفاذها من طرف السلطات، بعدم الكفاية أو عدم الملاءمة.
تتذرّع الشركات متعدّدة الجنسيات، التي تفوز بالعروض وتضمن عقودا لتنفيذ المشاريع المرتبطة بالفعاليات الضخمة، بضعف إنفاذ القانون فيما يتعلّق بمعايير حماية العمّال في منطقة الخليج. وقد تم تسجيل عدد من الخروقات لقانون حظر العمل في وقت الظهيرة أثناء فصل الصيف إلى جانب تسجيل ادّعاءات بشأن الإرهاق الناجم عن الحرارة الذي تُعاني منه العمالة المهاجرة وذلك في قطاعات عديدة تُشكّل أسس الفعاليات الضخمة. وفي حين استمرار الثغرات التشريعية، تقع على عاتق الأعمال التجارية مسؤولية اعتماد تدابير إضافية من أجل حماية العمّال من درجات الحرارة المُتزايدة. يجب على الشركات بذل جهود أكثر بالنظر إلى المخاطر الواضحة المُحدقة بالعمّال الناشطين في منطقة الخليج. إن إخفاء التراخي في العمل تحت قناع الالتزام بالقوانين المحلية هو أمر غير مقبول، حيث أن المؤسسات والمستثمرين الساعين لممارسة الأعمال التجارية في المنطقة لهم مسؤولية مضاعفة بثلاث مرّات في مجال حقوق الإنسان بموجب المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان: أوّلا، وضع سياسات مُترسّخة في حقوق الإنسان، وثانيا، بذل العناية الواجبة بصرامة فيما يتعلّق بالعمليّات، وثالثا، توفير الوصول إلى سبل الانتصاف بالنسبة للعمّال عندما تُنتهك حقوقهم.
بقلم ملاك علي، باحثة مساعدة - الخليج، مرصد الأعمال وحقوق الإنسان