ما بعد صافرة النهاية: العمال المهاجرين يتحدثون عن الاستغلال خلال مونديال قطر2022
بعد ستة أشهر من الصافرة النهائية لكأس العالم قطر 2022 في استاد لوسيل، غادرت كل من وسائل الإعلام الدولية وفرق كرة القدم والجهات الراعية والمشجعين الإمارة آخذين معهم الأضواء الإعلامية الأكثر سطوعا في العالم. ولقد سبق وأن ادّعت الفيفا أن كأس العالم هذه من شأنها أن تحسّن من ظروف العمال المهاجرين الذين جعلوا من تنظيم كأس العالم أمرا ممكنا بفضل مجهوداتهم. ومع ذلك، فقد أظهر البحث الذي أشرف عليه مرصد الأعمال وحقوق الإنسان (مرصد الموارد) أنه وفي الوقت الذي كان فيه العالم مستمتعا بمشاهدة البطولة، كان العمال الكادحون وراء الكواليس، ولا سيما العمال المهاجرون الذين ينحدر معظمهم من دول جنوب وجنوب شرق آسيا وشرق أفريقيا، يعانون من انتهاكات على صعيد حقوق الإنسان وحقوق العمال. وتجدر الإشارة إلى أنّ سبل الانتصاف للعمال المهاجرين في قطر محدودة للغاية اليوم ممّا يعكس فشل الشركات والفيفا واتحادات كرة القدم والحكومة القطرية في الحيلولة دون وقوع مثل هذه الانتهاكات وعجزها عن توفير سبل الانتصاف عند حدوثها. ولذلك، يجب معالجة مثل هذه الآفات التي تنخر هذه البطولة المُحبَّبة إلى قلوبنا، بل، وكما يوضح هذا التقرير، يجب ألا يتكرر حدوثها أبدا.
أخذ هذا التقرير التجربة اليومية للعمال المهاجرين العاملين في قطر خلال كأس العالم، والذين كثيرا ما يتم إسكات أصواتهم، منطلقا له. ويعرض صورة للدوحة في شهري نوفمبر وديسمبر 2022 بناء على توقعات العمال وتجاربهم وتأملاتهم وانطلاقا من فشل أصحاب العمل في حمايتهم وتوفير سبل الانتصاف من الانتهاكات التي تعرضوا لها. ولقد عمل مرصد الأعمال وحقوق الإنسان مع المنظمات الشريكة في هذا المجال لإجراء مقابلات مع ما مجموعه 78 من العمال العائدين إلى بلدانهم والعمال الذين لا يزالون يعملون في قطر. وينتمي الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات إلى ستة بلدان منها ما يقع في جنوب آسيا (بنغلاديش ونيبال والهند وباكستان) ومنها ما يقع في شرق أفريقيا (كينيا وأوغندا). ولقد أجريت هذه المقابلات بين شهري آذار/ مارس وأيار/ مايو 2023، وتناولت الجوانب المتعلقة باستقدامهم وبظروف معيشتهم وعملهم خلال بطولة كأس العالم. ولقد أتت شهاداتهم في تناقض صارخ مع المعاملة الكريمة والإقامة المُرفّهة التي حظي بها كل من مسؤولي الفيفا والجهات الراعية فضلا عن منتخبات كرة القدم المشاركة في البطولة.
قد عانت غالبية العمال من سرقة الأجور ومن عدم سداد أجر ساعات العمل الإضافية، وحتى الوظائف والأعمال التي كُلّفوا بها كانت مختلفة تمام الاختلاف عمّا وُعدوا به. وعلى الرغم من ادعاء قطر في السنوات التي سبقت البطولة أنها قد ألغت نظام الكفالة الاستغلالي، إلا أن قدرة العمال على تغيير وظائفهم أو التظلم بشفافية ودون خوف من الانتقام ظلت مقيدة وبشدة. ومن الجدير بالذكر أنه ورغم استثمار الفيفا فيما قيل إنه "منصة مُخصّصة" للإبلاغ عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بكأس العالم، فإن أقلية صغيرة فقط من العمال الذين تمت مقابلتهم كانوا على علم بوجودها، بينما لم يعمد أي أحد منهم إلى استخدامها. ولكن، أشار العمال إلى بعض التحسينات من قبيل السماح لهم بالاحتفاظ بجوازات سفرهم، كما أفاد معظمهم بأنهم يعملون في أماكن عمل آمنة وصحية. ومع ذلك، يمكن القول إن الفشل المنهجي للشركات في التعامل بشكل مباشر مع العمال بهدف فهم المخاطر التي يواجهونها والتخفيف من حدتها، وفي تهيئة مناخ مناسب يمكّن العمال من التعبير عن استيائهم ومن تقديم الشكاوى، يعني تفشي هذا النوع من الانتهاكات بحق العمال. وفي هذا السياق، يجدر التشديد على مسألة بعينها والتي تتمثل في فشل الشركات الكبرى، بما في ذلك العلامات التجارية متعددة الجنسيات أو الشركات الخاضعة لملكية حكومية كاملة أو جزئية، في القيام بفحوصات صارمة لسلاسل التوريد الخاصة بها للقضاء على هذا النوع من الانتهاكات.
"زار وفد مكلّف بحقوق الإنسان مكتبنا وموقع العمل للتحدث مع العمال وتفقد الأوضاع داخل الشركة. ولكنه سرعان ما غادر الموقع دون إجراء مقابلة مع أي واحد منّا بمجرد إفادة رئيس المخيم بعدم وجود أي مشاكل على هذا الصعيد."عامل نيبالي لدى شركة جي سي بي
ماذا قال العمال؟
11/78
عالم على علم بآلية التظلم الخاصة بحقوق الإنسان الخاصة بالفيفا
ولم يعرف أي عامل أي شخص استخدمه
73/78
عامل تم فرض رسوم توظيف علىه
تتراوح بين 184 و 4670 دولارًا أمريكيًا للحصول على عمل
9/61
من العمال الذين تم توظيفهم لأكثر من عام ويمكنهم تغيير وظائفهم حسب الرغبة
قال 50 عاملاً إنهم كانوا على علم بهذه العملية ، لكن 41 عاملاً ذكروا عوائق ، مثل الرشاوى
35/78
عامل وصف تهديدات وترهيب
لمنعهم من التحدث علنًا عن توظيفهم غير العادل
النتائج الرئيسية
أبلغ جميع العمال الـ 78 الذين تمت مقابلتهم والمنحدرين من ستة بلدان واقعة في جنوب آسيا وشرق إفريقيا عن تعرضهم إلى مؤشر واحد على الأقل من مؤشرات الاستغلال في العمل، مما يعكس الطابع المنهجي للانتهاكات المرتكبة.
- تعجز الشركات عن توفير إمكانية الوصول إلى آليات الانتصاف وآليات التظلم غير الانتقامية والشفافة:
- كان 11 عاملا فقط من أصل 78 عاملا على علم بآلية التظلم المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التابعة للفيفا، ولم يصادف أي واحد منهم شخصا قد سبق له استخدامها.
- قام 43 عاملا بتقديم شكاوى بشأن ظروف العمل، وتعرض 18 عاملا منهم للانتقام من قبل أصحاب العمل، وشمل ذلك الفصل من العمل والاحتجاز والترحيل في أسوأ الحالات.
- يكون خطر التوظيف غير العادل للعمال المهاجرين مرتفعا للغاية:
- قام 73 من أصل 78 عاملا بدفع مبالغ مالية تتراوح بين 184 دولارا أمريكيا و4670 دولارا أمريكيا للحصول على عمل، وقام 21 عاملا منهم بهذه العملية قبل سنة واحدة من إطلاق صافرة بداية كأس العالم.
- لجأ 48 عاملا إلى الاقتراض لتغطية هذه التكاليف.
- قام 35 عاملا بوصف أعمال التهديد والترهيب والتخويف التي مارسها أصحاب العمل ومكاتب الاستقدام بحقهم لإثنائهم عن التعبير عن آرائهم.
- على الرغم من الإصلاحات الرئيسية في قانون العمل، لا يزال العمال غير أحرار، على صعيد الممارسة، في اختيار العمل الذي يريدونه وفي نقل الكفالة:
- أفاد تسعة عمال فقط من أصل 61 عاملا لديهم أقدمية تتجاوز السنة الواحدة في أماكن عملهم أنهم يستطيعون تغيير جهة العمل متى شاؤوا ذلك.
- أفاد 50 عاملا أنهم على دراية بالعملية التي تخوّل لهم القيام بتغيير وظائفهم ولكنهم لم يتمكنوا من القيام بذلك على أرض الواقع.
- وذكر 41 عاملا العوائق التي تحول دون قيامهم بذلك، والتي من بينها عدم تمكنهم من الحصول على شهادة عدم الممانعة أو عدم قدرتهم على تحرير طلب الاستقالة أو تلقي المسؤولين المشرفين على طلباتهم رشاوي لتعطيل العملية.
- تشكل انتهاكات شروط التوظيف خطرا كبيرا على المهاجرين بمجرد وصولهم إلى قطر:
- ذكر 45 عاملا أن عقودهم وأدوارهم الوظيفية لم تكن مطابقة لما تم وعدهم به في أوطانهم، وأشار 27 عاملا إلى أنهم قد وجدوا أجورا تعاقدية أدنى مما كان متوقعا.
- ذكر خمسة عمال أنه قد تم إنهاء عقودهم مبكرا.
- أشار 58 عاملا إلى تعرضهم إلى سرقة الأجور، وذكر 27 عاملا أنهم قد تلقّوا أجورا جزئية بمتوسط نسبته 25٪ أقل مما كان متوقعا.
- أفاد 69 عاملا أنهم قد عملوا ساعات إضافية، وذكر 36 عاملا منهم أنهم لم يتلقّوا أجرا على ساعات العمل الإضافية كما كان متوقعا.
- تمّ تسجيل فشل الشركات في وضع العمال المهاجرين في صلب الفحوصات الروتينية للعناية الواجبة المتعلقة بظروف الاستقدام والعمل:
- لم يُسأل سوى عاملين اثنين عن رسوم الاستقدام التي قاموا بدفعها من قبل أصحاب العمل، ولم يتمّ تعويض أي واحد منهما على ذلك.
- تم سؤال 14 عاملا فقط عن ظروف العمل أثناء عمليات الفحص التي تم إجراؤها من قبل صاحب العمل أو من قبل منظمة خارجية في مكان العمل.
بعض التقدم المُحرَز:
- كانت لدى أقلية فقط من العمال (13) شكاوى بخصوص ظروفهم المعيشية.
- لم تعبر سوى أقلية فقط من العمال (20) عن قلقها إزاء الصحة والسلامة المهنيتين. ولقد ذكرت غالبية العمال (68) أن سبل الحصول على الأدوية أو العلاج متاحة عند الحاجة.
- كانت حرية التنقل غير مقيدة إلى حد كبير: فقد أفادت غالبية العمال (60) بأن جوازات سفرهم أو وثائق هويتهم كانت دائما بحوزتهم، بينما أشار خمسة عمال فقط إلى القيود المفروضة على التنقل أو حظر التجول.
"لقد حصلنا على بطاقات من الفيفا تحتوي على أرقام هواتف للاتصال بها. ومع ذلك، وبمجرد انتهاء بطولة كأس العالم لكرة القدم، لم نتمكن من الحصول على هذه الأرقام. يبدو أن الفيفا قد حزمت أمتعتها بمجرد انتهاء كأس العالم، ولم تلق بالا لأولئك الأشخاص الذين تركتهم وراءها ".حارس أمن باكستاني
التوصيات
تماشيا مع المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، يجب على جميع الشركات العاملة في قطر تطبيق الدروس المستفادة من بطولة كأس العالم فيفا قطر 2022، والعمل بالتوصيات التالية:
- وضع العمال في صلب عملية العناية الواجبة من خلال إجراء مقابلات منتظمة مع العمال المعينين بشكل مباشر والعمال المتعاقدين من الباطن طوال دورة العمل، ويكون ذلك خلال مرحلتي تعريفهم بالعمل وبعد توزيعهم لتولّي مهامّهم، مع تقديم ضمانات بعدم اتخاذ تدابير انتقامية بحقهم والتأكيد على أن هذه المقابلات تهدف إلى فهم ظروف العمل.
- افتراض أن العمال قد دفعوا رسوم استقدام (بغض النظر عما إذا كانوا قد حصلوا على العمل من خلال الاتصال بمكاتب توظيف) نظرا إلى انتشار هذه الممارسة، والالتزام بسداد هذه المدفوعات وتعويضها. ولعلّ أفضل الممارسات، في هذا السياق، تتمثل في القيام بذلك على امتداد سلسلة التوريد لتشمل العمال المتعاقدين من الباطن دون اشتراط الحصول على وثائق معينة ودون الالتزام باتباع سلسلة من المعايير
- التواصل بنشاط مع العمال بلغاتهم الأمّ للتأكد من أنهم على دراية بالعملية التي يتم وفقها طلب نقل الكفالة بما يتماشى مع قانون العمل القطري، دون خوف من التعرض للانتقام ودون حاجة إلى متطلبات إدارية أو مدفوعات إضافية.
- إنشاء آلية تظلم على المستوى التنفيذي والحرص على نقل طريقة عملها إلى العمال على نحو واضح، وتهيئة بيئة عمل تتيح لجميع العمال التعبير عن مخاوفهم في إطار عملية تتسم بالشفافية مع ضمان الوصول إلى سبل الانتصاف.
- العمل على نحو بنّاء مع جميع شركاء الأعمال وكافة مقدمي الخدمات المتعاقدين ووكالات التوظيف بهدف تحديد معايير العمل المتوقعة حرصا على تغطية جميع العمال المتعاقدين من الباطن، والقيام بالعناية الواجبة لضمان الالتزام بمدأي التوظيف العادل ورعاية العمال، والتحقيق في ظروف العمل التي تؤدي إلى أوضاع استغلالية والسعي إلى معالجتها وتحسينها.
- الكشف بانتظام عن المعلومات الخاصة بالمؤشرات الرئيسية للمخاطر المتعلقة بحقوق الإنسان، والتي تشمل ما يلي: أعداد وجنسيات العمال الذين قاموا بدفع رسوم استقدام والمبالغ المسدّدة في شكل تعويض لفائدتهم، التظلمات الواردة من خلال الآلية المعتمدة على المستوى التنفيذي فضلا عن التحقيقات والنتائج، عدد طلبات تغيير جهة العمل وعدد الطلبات المرفوضة. وتجدر الإشارة إلى أنه من المتوقع أن يعمد شركاء الأعمال إلى اتخاذ نفس الإجراءات الواردة أعلاه.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي على حكومة دولة قطر العمل بالتوصيات التالية:
- تنفيذ الإصلاحات بشكل مستمرّ وعلى نحو هادف لضمان احترام الشركات العاملة في قطر لحقوق العمال بموجب قانون العمل.
- إدراك أهمية وخطورة دورها المتمثل في التعاقد مع شركات خاصة لتقديم جملة من الخدمات في الأماكن الواقعة تحت ملكيتها وفي محاور النقل ومشاريع البناء، والتأكد من التزام الشركات العاملة في قطر بمعايير الرعاية الخاصة بالعمال في كل حلقة من حلقات سلاسل الإمداد والتوريد الخاصة بها، والقيام بعمليات تدقيق دورية لضمان احترام حقوق القوى العاملة المتعاقدة من الباطن.
ويتعيّن على الفيفا، في مسعى منها إلى الانتصاف للعمال وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم خلال تنظيم بطولة كأس العالم قطر 2022، وحرصا منها على التخفيف من الأضرار التي قد تلحق بهم خلال الفعاليات التي سيتم إقامتها في المستقبل، العمل بالتوصيات التالية:
- الالتزام العاجل بتلبية مطالب منظمات المجتمع المدني والمساهمة في تمويل صندوق لتعويض العمال وذلك في إطار برنامج شامل للانتصاف للعمال المهاجرين الذين كانوا ضحايا عدة انتهاكات خلال فترة التحضير والاستعداد لكأس العالم فيفا قطر 2022.
- الإبلاغ بشفافية عن الشكاوى المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان المقدمة بموجب آلية التظلم الخاصة بكأس العالم قطر 2022، والالتزام بالتحقيق في القضايا وجبر الضرر.
- تعزيز عملية بذل العناية الواجبة لمراعاة حقوق الإنسان خلال الفعاليات والأحداث المستقبلية وعند التعاقد مع مقدمي الخدمات.
- الالتزام بالإبلاغ العلني عن النهج المتبع من قبل الفيفا في علاقة بحقوق الإنسان وعن الطريقة التي تعتزم العمل بها للتخفيف من الانتهاكات وتوفير سبل الانتصاف.